top of page

مراجعة رواية ملعون دوستويفسكي لعتيق رحيمي

إنها رواية خيال نفسي للروائي الأفغاني عتيق رحيمي، نُشرت لأول مرة في عام 2011. متأثّراً بدوستويفسكي، يُلقي بطل الرواية "رسول" الضوء على عبثية ارتكاب جريمة قتل في بلد غارق في الصراعات السياسية والدينية.

غلاف رواية ملعون دوستويفسكي للكاتب الأفغاني عتيق رحيمي

"ما كادَ رسول يرفع الفأسَ كي يضربَ رأس المرأةِ العجوز حتّى عبرتْ رواية الجّريمة والعقاب في ذهنه, صعقته, ارتعشتْ ذراعاه, تمايلتْ ساقاه, أفلتت الفأسَ من يديه.. فاخترقت جمجمة المرأة وانغرزت فيها ...."

ما يلبثُ القارئ يمرّ على هذه الأسطر حتى تتمثّل أمامه رواية الرّائع دوستويفسكي بجريمتها وعقابها. فيعيش حالة التّماهي والمحاكاة بين شخصية البطلِ هنا والبطلِ هناك, لكنّ الفرقَ الوحيدَ هو أنّ بطلنا هذا من أرضِ الرمادِ أفغانستان ذاك البلد الذي قال عنه الكاتبُ عتيق رحيمي: "إنّ الجميعَ يُقاتل فيه كي يتحوّل إلى غازياً ,وحين يُقتل يتحوّل إلى شهيد"


يقف "رسول" أمامَ جثة العجوزِ متضطرباً, مُثقلاً بفعلته وباحثاً عن السّبب الذي دفعه لارتكابِ مثل هذه الجّريمة... هل الحاجة إلى المال؟ أم لتخليص خطيبته من براثن هذه العجوز التي تعمل بالبغاء، أم أن دوستويفسكي قد أفسدَ عليه الأمر وحرّضه على القتل؟ يترك الجثة كما هي في مكانها بجانبها المال والمجوهرات ويهرب بين الأزقّة والحواري صفرَ اليدينِ إلا من جريمةٍ لم تثمرْ شيئاً!


وأمامَ صخبِ بنادقِ المتطرّفين من جهة وصواريخ السوفييت من جهة أخرى, تظهر عبثيّة الصّراخ إذ يفقد رسول صوتَه, تصبح حنجرته جافة من الأحرف و يبقى صوته الداخلي وحده الصّدى المدوّي لجريمته المتعاظمة داخله…مَن الآن سيستمع لاعترافه؟ كيف له أن يشرحَ جريمته؟ لاشيء من هذا الآن سيحدث فدوستويفسكي قد اقتلع صوته وهرب بعيداً!!


يصوّر الكاتبُ لاحقاً حالة الاضطرابِ والتخبّط التي يعاني منها رسول بعد ارتكابه جريمته, ذاكراً الجّو العام الذي يخيّم على ذلك البلد المشتعل, ضمن سردٍ لا يخلو من طابع فلسفيّ واجتماعيّ وحتى نفسيّ. واصفاً بدقة المجتمع الأفغاني في تركيبته البشريّة والاجتماعيّة والسياسيّة محاولاً نقل نهج رواية "الجريمة والعقاب" لكن مع أفغنة الأسماء والأجواء والشّخصيّات.


يزدادُ اضطرابَ رسول وإيقانه بعبثيّة فعلته عندما يقرر العودة إلى منزل العجوز ليرى ماذا حلّ بجثتها، فيرى أنّ مظاهرَ السلام والهدوء تخيّم على الحيّ، إذ لا رجال شرطة يحومون بحثاً عن مشتبه به, لا فوضى تشير على أنّ هذا المكان قد وقع فيه جريمة، ولم يسمعْ أحداً يتحدث عن وجود جثة أصلاً! إذاً من أتى من بعده ومحى كلّ تلك الدلائل؟ من الذي محى جريمته! بل هل هي فعلاً موجودة بالأساس؟


كان لهذا السؤال وقْعاً مدويّاً في نفْس رسول, إذ يدخل في حالة صراع ليثبت لنفسه ولغيره أهمية فعلته, فهو لا يبغي سوى أن يعطي لجريمته معنىً حقيقياً ذو هدفٍ سامٍ لا لمجرّد أن تكون في سياقات القتل الفوضوية المتخفيّة وراء اعتقادات دينيّة واجتماعيّة بالية، بل لتكون الدّافع وراءَ محاكمةِ مجرمي الحرب جميعهم ووضعهم أمامَ المساءلة والمحاكمة.


وفي أثناءِ رحلة بحثه عمّن يُصْدقه القول يُصادِف "براويز" وهو قائد أحد المعسكرات الذي يُصغي له ويجده بريئاً لأنّ ما من جريمةٍ مشابهةٍ قد وقعتْ وحتى وإن وُجدتْ فإنّ قتلِ امرأةٍ مرابيةٍ يُعتبَر تطبيقاً للعدالة!... ادّعى دوستويفسكي ذات يوم أنّه إذا لم يكن الله موجودًا، فسيكون كل شيء مباحاً. لكن الله موجود في أفغانستان ليس ليمنع الذنوب بل ليبررها!


على أي حال، يرفضُ رسول هذه المزاعم ويستمرّ في بحثه، حتى يقع بين يديّ الحاكم الذي يسمعه ويبدأ بالتّمهيد لمحاكمته بتهمة "حيازة الكتب الروسية" التي يُفترض أنها شيوعية، لا بتهمة القتل العمد. ففي أفغانستان يمكنك القتل والاغتصاب والسرقة، على ألّا تكونَ خائناً لبلدك ومبادئه.


إلى أيّ حدّ وصلتْ هذه الجّريمة من عبثية؟ أيعقل إلى أي حدّ وصل هذا البلد من الفوضى حتى تعتبر حيازة كتب روسية جريمة أكثر من قتل إنسان؟ وهنا يصوّر الكاتب "عتيق رحيمي" غرابةَ هذه المحاكمة ويدخل في متاهة كافكا عن روايته "المحاكمة".. إذ لا وجودَ لشهودٍ أو ضحية أو أدلة، فقط اعترافٌ هذيانيّ وتوهّم بفعل القتل.


بالنسبة لرسول، لا يهمّ في نهاية المطافِ كيفيّة محاكمته؟ بل لماذا يُحاكم؟ هو فقط يريد اقتلاع تلك "الشظية" المغروزة في قلبه والمتولدة عن مدى شعوره بالذنب تجاه فعل القتل. هو فقط يريد أن يُحاكم لينبّه أبناء بلده كم أنّ القتل فعلٌ مستنكرٌ وبغيض وزرع بذور الذنب في نفس كل قاتل.


في مقابلةٍ للكاتب للحديث عن كتابه هذا , أورد قولاً للفيلسوف "لاكان" كي يشرح الازدواجيّة التي اشتغلَ عليها في روايته :"الشّعور بالذنب يسبب نوعان من الأمراضِ النفسيِة, إما العُصاب لأولئك الذين لم يزالوا منغلقين داخلَ هذا الذنب ويرفضون الخروجَ منه, وإمّا الذهان لأولئك الذين يرفضون الدخول إليه" وهو الآن يعالج حالة من حالات الذهان .


كتب رحيمي هذه الرواية وفاءً لأخيه الذي كان يدرس في الاتحاد السوفياتي حتى أصبح شيوعياً، وتطوع مع القوات السوفيتية أثناء وجودها في أفغانستان وقُتل على يد المجاهدين الأفغان، "هذه الرواية لأولئك الذين لا يشعرون بالذنب تجاه التاريخ الدموي لهذا البلد"قال رحيمي يوماً.



معلومات الكتاب

الكتاب: ملعون دوستويفسكي

المؤلف: عتيق رحيمي

تاريخ الإصدار: 2013

عدد الصفحات: 276

النوع: إثارة، تشويق، خيال, نفسي

٧ مشاهدات٠ تعليق

Comentários


bottom of page