top of page

مراجعة رواية الساعة الخامسة والعشرون لقسطنطين جورجيو

رواية صدرت لأوّل مرّة سنة 194٩ للكاتب الروماني الأصل "قسطنطين جورجيو" لتمثّل صفعةً حقيقية في وجه الأنظمة الشمولية والمجتمعات الحداثية التي حطّت من قيمة الإنسان وصنّفته وفق اعتبارات دينيّة، إثنيّة، وأيديولوجيّة، من ثم زجّت به في آلة الحرب المستعرة ليكونَ وقودها، إلى أن سلبته حريته، هويته وإنسانيّته.

غلاف رواية الخامسة والعشرون للكاتب الروماني قسطنطين جورجيو

تشكّل مغامرات "يوهان موريتز" القصّة المركزية لهذه الرواية. موريتز مهندسٌ رومانيّ من أصلٍ ألمانيّ ذنبه الوحيد وأصل كل صراعاته ومعاناته أنه تزوّج من فتاته التي أحبها والتي راقت لمدير مخفر القرية، وبسبب حقده وغيرته عندما لم يستطع الظفر منها، بدأت مغامرات موريتز، سلسلة من الفظاعات والآلام التي امتدت لثلاثة عشر عاماً.


إذ يستغلّ مدير المخفر سلطته المتعاظمة بحكم الظروف السياسية المتوترة التي كانت تشهدها أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية، لاسيّما التضييق والاضطهاد الذي تم ممارسته بحق اليهود بتشجيع من ألمانيا النازية، فيضع اسم موريتز كهيوديّ مشبوه به علماً أنه مسيحي، ليُنقل بعدها إلى معسكر أشغال شاقّة لليهود، لتبدأ معها رحلة الـ 105 معسكر اعتقالٍ سياسيّ.


يحاول موريتز عبثاً الهرب من معسكر الاعتقال فيهرب إلى هنغاريا، ليتم القبض عليه واتهامه بالتجسس لصالح الحكومة الرومانية. من ثم يتمّ بيعه لاحقاً للنازيين كعامل رقيق في معامل الفحم، وعندما احتاجت الدولة النازية جنوداً ليكونوا وقود حربها، تم تجنيد موريتز رغماً عنه بسبب مظهره "الشمالي" ليصبح جندياً يقاتل تحت راية المعتقدات النازية.


في الحقيقة، هذه الرواية ليست توثيقاً لآلام وكوارث الحرب العالمية الثانية فحسب، بل هي تجسيداً لأزمة الإنسان الحداثي وصراعه مع فردانيته وإنسانيته التي شوهتها التصنيفات ضمن فئات وفقًا لانتماءاته الدينية أو العرقية أو الأيديولوجيات ... إلخ.

يحتاج المجتمع التقني إلى التصنيف، ولا يمكنه التعامل مع كل فرد على حقيقته، حالة فريدة. في سياق الرواية ، فإن التصنيف الرئيسي هو فئة "أعداء الدولة" ، وهي فكرة غامضة إلى حد ما يمكن أن تستوعب الجميع. قد يكون النمط الأكثر تميزًا في الرواية هو أن يوهان موريتز ، الشخصية الرئيسية ،


يقول الراوي، على لسان الكاهن "كوروغا" أحد أبطال الرواية:

"الفئة هي الخدعة الأكثر وحشية والأشد فظاعة من كل ما اقتحم يومًا عقل الإنسان من آراء. إذ لا ينبغي أن ننسى أنّ عدونا شخص وليس فئة".

وهكذا، نجد موريتز ينجرف من فئة واسعة غير محددة إلى أخرى ، ويجد نفسه دائمًا في الجانب الخطأ: فتارةً هو الجاسوس الروماني المسيحي في المجر، وتارة أخرى العامل المجري المتطوع في ألمانيا في ذروة المجهود الحربي، ولاحقاً هو الهنغاري اليهودي أثناء المذابح، من ثم هو الألماني النازيّ الذي تتم محاكمته من قبل الأميركان باعتباره مجرم حرب معادٍ للسامية.


تُعد شخصية يوهان موريتز بمثابة تمثيل للتجربة الإنسانية الأوسع في ظل الأنظمة القمعية. تعكس النضالات، التعقيدات، والتحديات التي يواجهها الأفراد الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين بوصلتهم الأخلاقية ومطالب الحكومة القمعية.


بينما يتبع القراء طريق موريتز، فإنهم مجبرون على التفكير في معتقداتهم وأخلاقهم والقرارات التي قد يتخذونها في ظل ظروف مماثلة. مما لا يجعلها رواية تاريخية فحسب، بل يجعلها تأمل فلسفي عميق في الخيارات التي نتخذها عندما نواجه أصعب لحظات الحياة.


أما عنوان الرواية "الساعة الخامسة والعشرون" تلك الساعة التي لا وجود لها، ترمز إلى الوقت الذي يواجه فيه الأفراد أنفسهم الحقيقية، ومخاوفهم العميقة ، وقراراتهم النهائية. إنها الساعة التي امتدت ليكشف موريتز عن شخصيته الحقيقية، لاستيعاب القرارات المعقدة التي يواجهها صراعاته الداخلية، وأسئلته عن الولاء والخيانة ومعنى الوجود.

"لقد أشرفَ العالم على دخولِ ساعته الخامسة والعشرين، وهي التي لن تشرق الشّمس من بعدها على الحضارة البشريّة أبداً، والتي لن يحلّ بعدها يومٌ جديد، إنّها السّاعة التي سيتحوّل فيها البشر إلى أقليّة عديمة القدرة على التّفكير لا وظيفة لها غير إدارة جحافل الآلات وصيانتها وتنظيفها".

ففي ذروة الرواية، يُعرض على موريتز خياراً يلخص المعضلة الأخلاقية في قلب القصة. تضغط السلطات على موريتز لكي يخون جسده ودمه، مما يضعه في موقف مؤلم بين حبه لعائلته والتزامه بمبادئه.


وما اختاره موريتز في النهاية حمل تداعيات عميقة. إنه يوضح قوة شخصيته وتحديه نظاماً يسعى إلى تحطيم الروح البشرية. يؤكد اختياره على موضوعات الرواية المتعلقة بالشجاعة الأخلاقية والفردية والتضحيات الجسيمة التي يجب على الأفراد أحيانًا تقديمها في مواجهة الاستبداد.


في الحقيقة، "يوهان موريتز" هو كلّ شخص منّا زُجّ في آلة الحرب وفق اعتبارات دينيّة، إثنيّة، أيديولوجيّة، إلخ. رغم أنّ ذنبه الوحيد كان محاولته إبقائه على إنسانيّته. ربما كانت مأساة موريتز تصدح بها جدران 105 معسكر اعتقال سياسي، و13 سنة من الاضطهاد والتهميش والتجريم. لكن مأساتنا اليوم نحن الحداثيين قد تبدو أعقد، وحرّياتنا قد تبدو مُنتهكة أكثر ومُكبّلة بالرّغم من تحرّر معاصمنا من القيود! إذ أنّ التقييد الحقيقي جرى في عقولنا بفعل الآلة.


إنّ المجتمع الحداثي مجتمع تقهقرت فيه الإنسانيّة وتوغّلت فيه الآلة، لتفرض قوانينها على الإنسان وتجبره على الانصياع لها لتحوّله لاحقاً إلى مجرد (رقم). قد نوّه "ماركس" سابقاً لظاهرة خطيرة ستفرض نفسها على المجتمعات الصّناعية وهي (الاستلاب والتشيّؤ) وهذا الاستلاب يقوم على 3 عناصر: استلاب أيديولوجي، سياسي، واقتصادي.


يكفي لأحد هذه العناصر أن يحدث حتى يجرّ العنصرَين الآخرين معه. وهذا السَلْب المتعمّد يصحبه تشييء للقيمة الإنسانيّة وردّ الإنسان إلى خصوصيّته بأنّه كائناً بيولوجياً مُنتج فحسب، لا على كونه كائن يطمح ببساطة للعيش بسلام وفق اعتباراته الخاصة.

"إن الكائن البشري يخسر وجوده، منذ أن أصبح تعطشه للحرية والعدالة رمزاً لجنونه".


معلومات الكتاب

الكتاب: الساعة الخامسة والعشرون

المؤلف: قسطنطين جورجيو

تاريخ الإصدار: 1949

عدد الصفحات: 496

النوع: خيالي

العلامات:

٨ مشاهدات٠ تعليق

Comments


bottom of page