top of page

مراجعة رواية سمرقند لأمين معلوف

تنتمي رواية سمرقند من تأليف الأديب اللبناني أمين معلوف لعالم الخيال التاريخي، حيث تدّعي أنّه عندما غرقتْ الباخرة "تيتانك" في نيسان عام 1912 في عرض مياه "الأرض الجّديدة" كان أعظم الضّحايا وأعجبها كتاباً هو نسخة فريدة من "رباعيّات" عمر الخيّام، وهو حكيمٌ فارسيّ وشاعرٌ وفلكيّ. هو كتابٌ لا يحمل تاريخاً ولا توقيعاً ولا شيءَ غير هذه الكلمات المتحمّسة:

"سـمـرقــنــد..أجملُ وجهٍ أدراتْهُ الدّنيا يوماً نحوَ الشّمس".
مغلف رواية سمرقند للكاتب أمين معلوف

أيّ رحلةٍ كانت بإستطاعتها أنْ تحملَ هذا القدر من التشتت والضّياع!! هذا القدر من الصّخب والهدوء تارةً والحبِّ والحقدِ تاراتٍ عدّة؟ أيّ مخطوطٍ هذا كان يقدرُ أنْ يظهرَ من رقاده وينفض عنه رماد السّنين بعدما ظنّ مَنْ ظنّ أنّ الدّهر طمره واستلقى عليه؟. لعلّه لم يكن مجرّد بضعةِ أوراقٍ جُمِعت سويّة، لعلّها لم تكنْ كلمات عاديّة جاءتْ من العدم ورُتّبت عفواً.


هذه قصّةٌ مخطوطٍ عمره ناهزَ آلاف السّنين، جاب مناطقَ عدةٍ من العالم، شهدَ قصصَ حبّ وحربٍ، وبالرّغم من تلك الأحداثِ الّتي كانت من الممكنِ أن تكونَ سبباً باختفائه واندثاره إلّا أنّه اختار أن يموتَ غريقاً قد خنقه بردَ المحيطِ.


في هذه الرّواية يتمّ عرض رحلةِ المخطوط الذي ضمّ أشهر أبيات الشّعر التي حاكها الشّاعر والفيلسوف "عمر الخيام". وعدا عن ذلك يمكننا اعتبار هذه الرواية رواية تاريخيّة بامتياز، حيث باتت تشكّل مادة دسمة ومرجع كافٍ لمعرفة الوقائع التاريخيّة التي حدثتْ في تلك الحقبة من الزّمن في بلاد فارس القديمة.


قُسّمتْ هذه الرّواية إلى أربعة كتبٍ، تفصل بين حقبتين زمنيتين مختلفتين تماماً، ففي الحقبة الأولى يذهب بنا الكاتب إلى الفترة التي عاشها عمر الخيّام، ليتناولَ سيرة حياته، قصّة حبه الفريدة، مخطوطه العزيز والاعتقاد بموته، وعلاقاته مع شخصيات تاريخية مهمة.

أمّا الحقبة الثانية يأخذنا الكاتب إلى نهايات القرن التاسع عشر واكتشاف وجود المخطوط ورحلة البحث عنه وإنقاذه من جديد من قبل المواطن الأمريكي بنيامين عُ. لوساج.


يبدأ الكاتب بوصفِ ولادة المخطوط ووصوله إلى يديّ "عمر"، فعلى الرّغم من أنّه كان "فيسلوفاً" في مدينةٍ كانت تعتبر كلّ فيسلوفٍ هو كافر ومعادٍ لدين الله، إلّا أنّه استطاع أن يكسب ودّ الأمراء وثقتهم لما عُرِف عنه بذكائه وسعة علمه. وفي هذا الكتاب يتعرّف عمر على شخصيتين ستصبحان محوريتين في الرواية، حبيبته "جيهان" وصديقه "حسن الصباح".


مع تتبّعِ الأحداث يستوقفنا مشهدٌ يكون نقطة الفصلِ بين الإيقاع الروائيّ البسيط الهادئ نحو الإيقاع الصّاخب المليء بالصّدامات، إذ يتواسط "عمر" لصديقه "حسن" من أجل تعيينه في منصبٍ رفيع لما عرفه عنه من ذكاءٍ وفطنة، ولكن غّرور حسن وطمعه يدفعانه لإحداثِ بلبلةٍ بهدف تسلّم أعلى المناصب والعمل على نشر عقيدته، ولكن للمرة الثانية يتواسط عمر لصديقه عند الأمير كيلا يقتله. لكن هل هذا التّصرف قد يدفع شاعرنا للندم لاحقاً؟ وكيف استطاع حَسَن أن يطعن ثقة صديقه به؟


من هنا كانت بداية الكتاب الثاني الذّي سُمّيَ" فردوس الحشاشين"، لكن ما هذا الفردوس ومن هم هؤلاء الحشّاشين وما عملهم؟


بعدما تمّ نفي حسن، بحثَ عن مكانٍ يستطيع من خلاله نشر عقيدته وتشكيل جيشٍ له ينتشر في مختلفِ المدن لحثّ الناس على الانتماء لهم، ومن هنا من الرّغبة الجّامحة في اتّخاذ تدابيرٍ سلطويّة قمعيّة تمّ تشكيل يوتوبيا الرّفض من قبل "حسن الصباح" في مدينة "آلموت" المحصّنة التي ينطلق منها الرّعب والقتل والدّمار على أيدي الحشّاشين وزعيمهم، هؤلاء الحشاشين الذي سُميوا هكذا نسبة لتعاطيهم شيئاً وحيداً هو "الدّين والإيمان".


ومن بين مَن دُعيوا للإلتحاق بعقيدة حسن كان "عمر". عمر ذاك الشّخص المسالم الرّصين الذي لم يُدمن يوماً من الأيام شيئاً سوى العلم والجّمال، النّجوم والكواكب، الشّعر والرياضيات. أنّى له أن يقبلَ مثل هذا الطلب؟ وإذا رفض فما الثمن الذي سيدفعه مقابل ذلك؟


ومع تتابع الأحداث يستوقفنا الكاتب في هذه الحقبة عند مشهد إحراق مكتبة "آلموت" العظيمة من قبل المغول ووفاة "عمر" راثياً باكياً أشعاره التي احترقت مع مثيلاتها، أو هذا ماقد ظُنًّ بخصوصها.


نلجُ إلى الحقبة الزّمنيّة الثانية والّتي كان بطلها الأميركيّ "بنيامين" وهو خبيرٌ ومولعٌ بالأمور الفارسيّة، تظهر عنده الحاجّة الملحّة لتعقّب أثرَ المخطوطِ وإعادة إحيائه من جديد. ومن هنا تبدأ رحلته الطّويلة التي بدأها من باريس إلى القسطنطينية حتى فارس ليصلَ إلى اليوم الذي تلامس فيه يداه أوراق المخطوط النّاجي.


في الحقبة الثانية، يتبيّن لنا ظهورِ شخصياتٍ مشابهة إلى حدٍ بعيد بشخصيات الحقبة الأولى، ببساطتها وحكمتها، بدهائها وخطورتها، وكأنّها محاولةٌ من الكاتب بعملِ إسقاطاتٍ تاريخيّة للتدليل على استمراريّة منظومة الإرهاب والقتل والحروب. إذ سرعان ما تتغيّر غاية الرّحلة من البحث عن المخطوط إلى معاصرة ويلات الشّرق الذي يحاول إرساء الدستور وإنكار مبادئ المتحفّظين.


مسكينٌ هو "بنيامين" ففي ساحةِ الحربِ وهو ممسكٌ ببندقيته يدافع عن قضيّة لم تكن قطّ قضيّته لكنّه آمن بأهميتها وضرورتها لهذا الشّعب المتألّم، كان تفكيره يتمزّق لثلاث قطعٍ، قطعةٌ عند مخطوطه وقطعةٌ عند حبيبته شيرين وأخرى عند بندقيته، إنه الشتات النّفسي الذي يعتصر فؤاده ويدفعه للتفكّير بطريقةٍ للخروج من هذا الدائرة المتواصلة والبدء من جديد!.


هاهي التايتانك بموسيقاها الكلاسيكيّة التي تصدح وسط المحيط، بكؤوس خمرها التي ما تلبث أن تفرغ حتى تعود لتمتلئ، بأضوائها الهوليوودية، تسبح فوق المحيط بوقار. عيونٌ ساهرة وضحكاتٌ صادحة وألف أمنية معلّقة على النجوم، وجبلٌ جليديّ يقف كمتصيّد أرواح ليكون نقطة النهاية في هذه الرحلة الخياليّة والقبر الأخير الذي يحتضن أشعار "عمر الخيام".



معلومات الكتاب:

الكتاب: سمرقند المؤلف: أمين معلوف تاريخ الإصدار: 1988 عدد الصفحات: 276 النوع: الخيال التاريخي

٤ مشاهدات٠ تعليق

コメント


bottom of page