top of page

مراجعة رواية الغريب لألبير كامو

هي رواية نُشرت لأوّل مرّة سنة 1942 لتؤسس عالم ألبير كامو العبثيّ الخالي من المعنى، وذلك من خلال تتبع سلوك بطل القصة 'مورسو' لحظة تلقّيه خبر وفاة والدته بفتورٍ وعدم اكتراث، وانتهاءً بمثوله أمام المحكمة بعد قتله لرجلٍ عربي. وضعتها صحيفة "لوموند" الفرنسية في المرتبة الأولى ضمن قائمة أفضل 100 كتاب في القرن العشرين.

غلاف رواية الغريب للكاتب ألبير كامو

توفيتْ والدتي اليوم، وربّما الأمس.. لستُ أدري!

يفتتح لنا هذا الغريب قصّته بهذه المقدّمة التي سرعان ما تلتقط حالة الافتقار إلى السلوكيات الاجتماعية أو الأخلاقية المعتادة في الفرد، وبهذه الحالة لدى 'مورسو' في مثل هذه المواقف!، فهو لا يشعر بالحزن إزاء موت والدته التي وضعها في ملجأ منذ ثلاث سنوات بسبب عدم قدرته على الإنفاق عليها، بل لا يتذكّر متى حدَثَ ذلك تحديداً، وعندما تلقّى الخبرَ لم يُجبْ أكثر من كلمةِ 'نعم'، فهو لم يجدْ الحاجة المُلِحّة لقول أكثرَ من ذلك -على حدّ تعبيره-.


كانَ 'مورسو' يعلم أنّه في خضمّ هذه الشعائر الجّنائزيّة عليه أن يلعبَ دورَ الابن المحزون، لكنّه في الواقع لم يكن يشعر بأيّ شيء أمامَ جثّة والدته الهامدة المتقدّمة في العمر؛ بل كان يدخّن ويحتسي القهوة بهدوء بين الحضور الذين قدموا ليسهروا على جثتها صامتين احتراماً لروحها، كان 'مورسو' يشعر للحظة وكأنّ هؤلاء الأشخاص قد اجتمعوا هنا ليحاكمونه وهو جالس أمام نعش والدته على عدم ذرفه بعد أية دمعة، عندما قطعتْ عليه جميع هذه المشاعر رغبةٌ جامحةٌ بلقاءِ 'ماري' صديقته وقضاءِ ليلةٍ جميلةٍ معها.


في اليوم التالي، يوم أخذوا أمه للدفن، رفض أن يختلي بها للمرة الأخيرة، وفي الطريق كان يتذمر من الحرارة الشديدة، والمسافة الطويلة التي قطعوها للوصول إلى المقبرة ، وعندما وصل وسئل عن عمر والدته اكتفى فقط بالقول بأنها عجوز مسنة -بالطبع فهو يجهل كم كان عمرها-، بعد انتهاء مراسم الدفن 'المملة'، أحس بأن كل شيء تم بسرعة وبشكل طبيعي، وباشر التخطيط للذهاب مع 'ماري' التي تعجبت عندما علمت أن أمه قد توفيت البارحة فقط في رحلةٍ إلى الشّاطئ، لكنه لم يكنْ يعلم حينها أنّ هذه الرّحلة ستكون آخرَ رحلاته، تتلخّص بإطلاق 5 رصاصاتٍ على رجلٍ عربيّ لأنّ خنجرَ هذا العربيّ قد لمع تحت أشعّةِ الشّمسِ الحارقة مما أَثَارَ حفيظته ودفعه للقتل!.


يقول البعض أنّه ليس هناك أيّ منطقٍ يكمنُ في هذا الفعل، إنّه فعل لاعقلانيّ لا يحوي أيّ سبب حقيقيّ يدفع المرء لارتكابِ هكذا جريمة، ولكن 'مورسو' لديه مبرّر على ذلك فيقول: "حاجاتي الجّسمانيّة تعرقل كثيراً مشاعري". لهذا السّبب لم يبدِ أيّ مشاعرَ حزنٍ على وفاة والدته لأنّه كان متعباً من السّفر، وهذا ما حدث معه تماماً أثناء إقدامه على قتل الرّجل العربيّ لأنّه كان تحت أشعّة الشّمس الّلاهبة الّتي بدأتْ تحرقه وتؤلم رأسه وتثير غيظه، ولهذا أيضاً رفض التعبير عن مشاعره تجاه 'ماري' التي بالنسبة له ليست سوى أداة يقضي فيها حاجاته الجنسية، يقول كامو:

كانت ترتدي إحدى مناماتي بعدما شمرت كميها… رغبتُ فيها مجدداً. وبعد برهة، سألتني هل أحبها. أجبتها أن لا معنى لهذا الأمر… فاكتستْ هيئتها سيماء الحزن.

يبدأ الحدث الثاني والمتمثل في المحاكمة بعد قتله لذلك العربيّ، هذه المحاكمة التي سرعان ما تحوّل موضوعُها من جريمةِ قتلٍ إلى إجراءِ نقاشٍ مطوّل حولَ شخصيّة 'مورسو' الغريبة وسلوكه اللا إنساني، ليبدو وكأنّه متّهمٌ بجرمِ عدم إظهارِ حزنه على وفاةِ والدته وليس حولَ ارتكابه جريمةِ قتلٍ!. يمكننا اعتبار المحاكمة بأكملها محاولة حثيثة من البشر لتبرير العالم من حولهم، فعندما يواجهون شيئاً غير منطقي، فإنهم يحاولون ردعه باعتباره مستحيلًا ويبذلون قصارى جهدهم لتبريره.


ففي يوم المحاكمة، تعرف المحكمة أن 'مورسول' لم يبكِ أمه قط، بل ورفض رؤيتها للمرة الأخيرة، وأنه دخن واحتسى القهوة في مكان تواجد جثة أمه، كانت القاعة تتحيّر وتتعجّب لهذا السلوك، لاحقاً ومع اعترافات 'ماري'، يستنتج النائب العام أنه وفي اليوم التالي لموتِ الوالدة، هذا الرّجل بدأ علاقةً غراميّة، ذهب لمشاهدةِ فيلمٍ كوميدي، من ثم ذهب للاستجمام في الشاطئ، لابدّ أنه وحشٌ حقيقيّ يفتقر إلى الشعور الأخلاقي الذي ولابدّ يهدد المجتمع بأسره وعليه، وحشٌ بلا روح وغير قادر على الندم يستحق الموت وعليه يُعلن: "إني أتّهم هذا الرجل لأنه دفن أمّه بقلب مجرم" وطالب بإنزال العقوبة القصوى عليه بإعدامه علنًا بالمقصلة.. في تلك الليلة، تبنى 'مورسو' فكرة أن الوجود البشري ليس له معنى أكبر فيتخلى عن كلّ أملٍ في المستقبل وعندها فقط أحسّ بالسعادة وعذوبة اللامبالاة.


يلخص ألبير كامو مغزى هذه الرواية على الشكل التالي: "في مجتمعنا كل رجل يرفض أن يبكي على والدته يعدم! لماذا نبكي؟ سنموت جميعاً عاجلاً أم آجلاً".


معلومات الكتاب

الكتاب: الغريب

المؤلف: ألبير كامو

تاريخ الإصدار: 1942

عدد الصفحات: 123

النوع: العبثية

٦٠ مشاهدة٠ تعليق

Comentarios


bottom of page